سيتوقف، بلا شك، المتأمل في السنوات الثلاثة عشر التي مرّت منذ انطلاق الثورة السورية (آذار ٢٠١١) وحتى الآن، عند لحظات كثيرة مفصلية وحاسمة، كما سيتوقف عند إخفاقات كثيرة وفرص أكثر لم تُستثمر كما يجب خلال هذا المسار الطويل، ولا يزال، نحو الحريّة والدولة الديموقراطية التي ينشدها السوريون/ات. ولعلّ أحد أكثر الإخفاقات التي يكاد “يُجمع” عليها السوريون هو الفشل السياسي، أو الفشل في الجانب السياسي. ففي الوقت الذي كانت أحد أبرز مطالب ثورة عام ٢٠١١ استعادة السياسة التي صادرها الاستبداد على مدى عقود طويلة وعودة الأحزاب إلى المجتمع السوري، نكاد نجد الساحة السورية اليوم شبه فارغة من التمثيل السياسي، رغم أن هناك من “يمثّل” السوريين/ات في المنابر الدولية، إلا أنه يكاد يكون تمثيلاً فاقداً للشرعية وسط عزوف مجتمعي كبير له أسبابه الكثيرة. وحين نقول إنّ الساحة ليست فارغة تماماً، نعني أنّه، خلال السنوات السابقة، جرت محاولات كثيرة لاستعادة السياسة، إذ تشكلت أحزاب وحركات وهيئات كثيرة، خاصة في الأعوام الأولى، لكن ما لبثت أن ركنت، أو ركنها السوريون/ات، إلى النسيان لأسباب كثيرة ليست موضع نقاشنا الآن، ثم جاءت (بعد السنوات الأولى) مرحلة ما يمكن أن نطلق عليه ترذيل السياسة لصالح الثورة (أو الثوروية ربّما)، قبل أن يعود وينتبه السوريون/ات (ولهذا أسبابه الكثيرة أيضاً) إلى فداحة هذا الغياب، فتشكّلت أحزاب وحركات جديدة محاولة استعادة السياسة، ومحاولة ردم الفراغ السوري الشاسع سياسياً، ومحاولة ملأه ما أمكن لاستعادة السياسة وإعادتها إلى المجتمع السوري، سعياً للوصول إلى دولة الحرية التي ينشدون. وعليه، واحتفاءً بالذكرى الثالثة عشر للثورة السورية، ارتأينا في سوريا ما انحكت، أن يكون ملفنا لهذا العام عن بعض هذه الأحزاب والحركات السياسية الجديدة، في محاولة لاستكشاف المشهد السياسي السوري الحديث ومساءلته في الوقت ذاته.
وعليه، سيكون حوارنا الثالث ضمن هذه السلسلة، مع الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي، وقد أجاب عنها الأستاذ عبد الناصر العايد، لنتعرّف على رؤية الحزب وأهدافه ونشاطاته.
هل يمكن أن تقدّموا نبذة تعريفية عن الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي؟
الحزب كما وردت في وثيقته التأسيسية هو حزب شعبي يضم سوريين في جميع أنحاء العالم، يسعى إلى إنهاء حالةِ الديكتاتوريّة في سوريا والانتقالِ إلى نظامٍ سياسي ديمقراطي تعدّدي، ويعمل على إطلاق نهضة تنموية شاملة مع ضمان العدالة الاجتماعية والحياة الحرّة الكريمة لجميع السوريين.
أسّس الحزب مجموعة من النشطاء السياسيين السوريين ممن لجؤوا إلى أوروبا بعد الثورة السورية، ومثل كلّ الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، تقع رؤى ومواقف الحزب في يسار الوسط.
ظهرت مؤخراً عدد من القوى والحركات السياسية، كان من بينها حزبكم (السوري الديمقراطي الاجتماعي). برأيكم ما هي الأسباب التي تقف خلف ظهور حركات سياسية جديدة؟ وما الذي يمكن أن تقدّمه تلك الحركات في سبيل الدفع بحلٍّ للأزمة السورية؟
من المعلوم أنّ للأحزاب السياسية وظائف وأدوار تقوم بها، ولكن يُضاف إليها في حالتنا السورية التي تُعاني من التفتّت والشرذمة الشديدة، أنّها قد تكون وسيلة لإعادة تنظيم قوى المجتمع وتكريس قوته السياسية في بنى وهياكل احترافية تستطيع أن تخوض غمار الصراع السياسي والمنافسة على المعاني التي كدنا نفقدها، مثل الوطنية السورية والديمقراطية والاستقلال الوطني.
وعلى صعيد حلّ المسألة السورية التي لا نعتقد أنّ مخارجها ستكون غير سياسية، فإنّ الأحزاب والمنظمات السياسية بالعموم هي الأداة المثلى التي يمكنها ترسيم حل مبدئي ريثما تستقر الأوضاع قليلاً، ويكون بالإمكان التوّجه وفق ما تفرزه صناديق الانتخاب وما تقرّره الديمقراطية التمثيلية.
تنقسم السيطرة على الأراضي السورية اليوم بين قوى الأمر الواقع المختلفة. كيف تقيّمون تجربة تلك القوى؟ هل تجدون في إحداها نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه سوريا مستقبلاً؟
صحيح، الأراضي السورية مقسّمة بين مناطق احتلال أجنبية وقوى أمر واقع محلية، جميعها بالنسبة لنا تستمد شرعيتها من السلاح أو التحالف مع طرف إقليمي أو دولي، وهذه جميعها تتناقض، أو ستتناقض بالضرورة، مع أيّ طرح وطني ديمقراطي، ولذلك نبني تصوّراتنا بعيداً عن جميع تلك القوى، ونلتزم بالتيار والرؤية الوطنية المستقلة.
منذ السنوات الأولى للثورة السورية ومخاوف الاقتتال الطائفي والتقسيم على أساس إثني ومذهبي حاضرة بين السوريين، كما الخشية من وصول التيارات الإسلامية المتشدّدة إلى سدّة الحكم. كيف تقيّمون هذه المخاطر؟ وما السبيل لردم الشرخ الاجتماعي بين السوريين؟
نعتقد أنّ السبيل إلى ردم الصدع الاجتماعي يمر بطريق إجباري هو التنمية بكافة جوانبها، وهذا لا يمكن أن يجري سوى في ظلّ دولة رعاية اجتماعية قادرة على السمو فوق الصدوع والشروخ والتكتلات الأهلية، دون أن تلغيها بالضرورة. للخراب في بلادنا وجهان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وجه اجتماعي ثقافي سياسي، وآخر مادي، وإصلاح أحدهما يقتضي إصلاح الأخر على نحو حتمي.
ظهرت بعض الأصوات التي نادت “اقترحت” بإنشاء إدارة ذاتية في السويداء، هل ترون هذا الطرح واقعياً؟ هل يمكن أن تؤول احتجاجات السويداء لذلك؟
إنّ أيّ نظام حكم فئوي مثل الذي يحكم سوريا، لا بد أن يؤول بالبلاد إلى ظاهرة الدول المتوازية، وهو ما نشهده في سوريا اليوم، ولن يكون نافراً أو غريبا أن ينشأ حكم ذاتي في السويداء كما ظهر في مناطق أخرى، لكنْنا نعتقد أنّ نخب جنوب سوريا كما شمالها وشرقها لن تختار عندما تصبح سيّدة نفسها سوى الإطار الوطني، وعليه لا أرى ضيراً، ولا مشكلة في نشوء منطقة حكم ذاتي مؤقتة في تلك المنطقة أو سواها ما دام الطرح الاستراتيجي يتمحور حول تقويض أسس النظام السلطوي وبناء سورية متحدة وديمقراطية.
أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، عن عقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية في شهر نيسان المقبل. هل ترون أنّه يمكن لتلك الاجتماعات أن تضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي؟
قراءتنا السياسية الأولية لدعوة بيدرسون الجديدة لعقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية بأنّه تعبير عن الفشل في صناعة أيّ اختراق سياسي، لذلك قرّر العودة إلى المسار المخطّط سلفاً مع أنّه ثبت مراراً أنّه لن يفضي إلى أيّ تقدّم، وأنّه عملية تمرير للوقت فقط وجهد لابدّ للموظف الأممي أن يقوم به لتبرير وجوده، لا أكثر ولا أقل.
وقد يخطر لك أن تسألني عن البديل أو ما يمكن فعله، وهنا سأجيبك بأنّ المسألة السورية سياسية بامتياز ولن يحلّها قط موظفون. لابدّ من تصدّي دول بعينها لعملية التغيير، وبمشاركة فاعلة من القوى والشخصيات السياسية السورية وليس من هؤلاء مجموعة الموظفين الذين يُسمّون الائتلاف، ولا نشطاء المجتمع المدني وسواه ممن تضمهم اللجنة الدستورية.. الصحيح أنّ تعود المسألة السورية إلى السكة السياسية، وهي لن تحل مهما طال الزمن إلا من خلال الآليات السياسية، أي تفاوض وتسويات تشمل كافة الاطراف.
كيف ترون مسار التطبيع العربي مع النظام في دمشق؟ هل يمكن أن يفضي إلى استقرار في سوريا؟
مسار التطبيع حسب معطياتنا انتهى ولم يعد له أيّة قيمة وانتقل الجهد إلى مسار آخر اقترحته روسيا على الدول العربية، ويمكن اختصاره بالقول إنّه عرض روسي لإخراج إيران من سوريا وتغيير النظام بدون هزّات عنيفة، على أن يذهب التمويل الخليجي الذي كان سيُمنح للأسد كي يمنع تجارة المخدرات ويدفع إيران خارج سوريا لصالح هذا المشروع، ولدينا إضافة إلى المعلومات أدلة واقعية ميدانية في هذا الخصوص.
لم تعد الاحتجاجات في سوريا محصورة في مناطق سيطرة النظام في دمشق، بل بتنا نشهد خروج مظاهرات في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والمجالس المحلية، كما أنّ الاحتجاجات والتوّترات الأمنية في مناطق سيطرة قسد لم تهدأ بعد… كيف ترون توّسع الاحتجاجات في سوريا؟ وهل يمكن للقوى السياسية الجديدة، التي من ضمنها الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي، أن تلعب دوراً مؤّثراً في قيادتها؟
الاحتجاجات أحد تعبيرات الانقسام وعدم الرضى الذي لن يتوقف في سوريا ما دام الوضع غير الطبيعي، الحالي، سائداً. أمّا عن دور القوى السياسية الجديدة، فلا أعتقد أنّها اليوم بوجود السلاح وأمراء الحرب وسيادة العنف تستطيع أن تلعب دورا كبيراً، لكن سيكون لها الدور الأبرز ما أن تنشأ حياة سياسية ديمقراطية وتعدّدية في سوريا، تنطلق من اللحظة الانتخابية وتتطوّر في المؤسسات والكيانات والمنظمات، هذه اللحظة تبدو بعيدة لكنها آتية بلا شك، فلا حل لمسألتنا بدونها.
في الذكرى الثالثة عشر للثورة السورية؛ ماذا تعني لكم هذه اللحظة، وكيف تنظرون لما جرى في ذلك التاريخ بعد مرور ثلاثة عشر عاماً؟
نحن لا نتحدث عن ذكرى لحدثٍ جرى ومضى، نحن نتكلّم عن كفاحٍ مرير متصل منذ ثلاثة عشر عاماً، وإنّه لشيء عظيم أن يواصل السوريون، أو جزء منهم، هذا الكفاح كلّ هذه السنوات، رغم كلّ الاهوال التي واجهوها. إنّه عام آخر في رصيد هذا الشعب يعلن استحقاقه وجدارته بالحرية والكرامة. ومن ناحية أخرى، الثورة جملة تحوّلات متتابعة وطويلة الأمد، والسنة الجديدة ليست كما قد يبدو للبعض مجرّد انتظار لسقوط النظام وإعلان انتصار الثورة. انظر ما حدث خلال هذه السنة، انظر ما نضج وما بدأ وما انتهى. اعمل جردة سريعة للأحداث والتطوّرات، وستعرف أنّها سنة تعمّقت وصُقِلت فيها التجربة السورية، وكلّ هذا من منظور تاريخي، وهذه السيرورة لها نتائج، على نحو حتمي.
المصدر : حكاية ما انحكت